مِن المؤكد أن الشعور باليتم شعور مرير ..
و يؤلمنى التفكير فى كيفية تحمل براعم صغيرة لتبعات هذا الشعور و ما يترتب عليه من آثار مادية و نفسية تشوه وجه العمر، و تفرض على الأيتام أنماطاً قاسية مِن الحياه، تصل أحياناً لحد المآسى الدرامية.
لكن اليتم الطبيعى قدر و نصيب ..
و هذا يخفف قليلاً مِن وطأته، و يمنح النفس قدراً مِن السلام الناجم عن الإستسلام لقضاء الله بعد إنقضاء ما يلزم مِن الوقت للتأقلم معه ..
أما الأسوأ بحق، فهو اليتم الصناعى التعسفى الذى يصيب المرء رغم كون أحد والديه – أو كليهما – حى يرزق!
و السبب الأشهر و ربما الأوحد الذى يقف وراء تلك الظاهرة هو سوء الإختيار ..
إن أحداً لا يلقى بالاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم" و هو ما جرى على ألسنة الناس بـ "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس" .. المهم أن الغالبية العظمى لا تفكر فى مستقبل "نطفها" و هى بصدد أخذ تلك الخطوة الأهم فى مشوار العمر: الزواج.
يبحث السفهاء عن مقومات شكلية أو مادية، و ينقاد البلهاء خلف حمى القلب التى تصبغ كل شىء بلون وردى يعمى الأعين و يضل العقول، و ينقب مدعو التدين عن حسن السير و السلوك الدينى فيهتمون بمظهر الدين كذلك لا بجوهره، إذ يكفى أن يكون فلاناً يشاهد ذاهباً آيباً إلى المسجد، مطلقاً لحيته، حافاً شاربه، مقصراً جلبابه ليعتمد فى نظرهم أنه عارف بالله حق المعرفه! أو أن فلانه ترتدى خماراً أو نقاباً، فهى بذا وحده قد بلغت كمال الخلق و تمام الدين!
و بعيداً عن مناقشة دور المشاعر فى الموضوع و عن الخوض كذلك فى جوهر التدين و الدلائل الدامغة التى من شأنها أن تبرهن عليه، فإن ما أود لفت النظر إليه هنا أن الغالبية العظمى لا تنتبه للمؤهلات النفسية و السلوكية الواجب توافرها فى شريك الحياة، ليس فقط لضمان مشروعاً مستقراً معه كشريك، بل لضمان مستقبل سوى للأبناء منه كذلك.
و إقراراً للحق، فالأمر ليس سهلاً بحال مِن الأحوال. و معظم نقائص النفس و مساوىء السلوك لا تتضح إلا بالعشرة لوقت غير قصير. و لن يفيدك أن تسأل جيداً عمَن تنوى الإرتباط به أو بها فى الكشف عن عاداته و طباعه السيئه لأنه غالباً يحسن إخفاءها عن أعين الناس.
لكن هذا لا يعفيك مِن مسئولية التدقيق فى الإختيار ..
فطالما عزمت، عليك أن تتوخى الحذر تماماً، و أعلم أنك تتخذ قراراً لا يتعلق بمستقبلك وحده، بل بمستقبل أرواح أخرى مازالت فى علم الغيب .. و هؤلاء أهم مِنك و أحب إليك مِن نفسك .. ففكر فيهم مِن الآن، كى لا تتسبب برعونتك و سوء تقديرك فى أن تورثهم جينات التعاسة المستدامة و تتسبب لهم عن جهل فى إعاقات نفسية و عجز كلى عن السعادة فى حياة بائسة بطبعها و لم تكن تحتمل لمساتك المباركة لتضاعف عليهم بؤسها و شقاءها.
إحسبها جيداً كى لا تسمع مِن أحدهم ذات يوم جملة: "مِنك لله"!