متى نعمل؟!
متى نبنى؟!
لنا ثلاث سنوات نصرخ، نُنَظِر، نحلل، نعترض ..
لكننا نترك عبادة العمل!
(الحال واقف) بلغة التجار و الحرفيين ..
ننعم بفوضى مستمرة و نتخذها مبرراً للتكاسل بحجة إنتظار ما ستئول إليه الأمور .. و بينما يقف البعض ساكناً، منتظراً .. يرى البعض الآخر فى تلك الفوضى فرصته النادره لإقتناص ما ليس مِن حقه، فيستغل (الدربكه) و ملهاة السلطة التنفيذية فى هموم أكبر، و يشرع فى إرتكاب آثام صغيرة مِن قبيل البناء على الأراضى الزراعية أو وضع اليد على ما ليس له و ما إلى ذلك من التحايل على القوانين أو حتى إنتهاكها فى وضح النهار.
و بمثل تلك الأوضاع تتخلف الأمم ..
ثم تسقط سقوطاً درامياً إلى قاع البشرية! ..
فما الذى نريده بالضبط؟!
هل قامت الثوره مِن أجل الإنتقال مِن حال سىء إلى حال أسوأ منه عشرات المرات؟! هل خرجنا مِن جذوةٍ إلى جحيم؟! .. ترن فى أذنى العباره الشهيره بأحد (إسكتشات) ثلاثى أضواء المسرح: "أطلع من نقرة لدحديرة و من فخ لـ فخ"!! .. لكنى لا أقوى على مجرد الإبتسام .. شر البلية الذى نعانيه لم يعد مضحكاً و لا مبكياً .. بل إستحال إكتائباً جاثماً على الصدور، عابثاً بملامح الوجوه.
و مِن الطبيعى أن أفكر فى أسباب تلك الفخاخ المتلاحقة التى نسقط بها تباعاً، و قفزت عدة أسئلة من ذلك النوع المستعصى على الإجابة إلى ذهنى ..
هل كنا جادين فى هذه الثورة؟!
هل ندرك أبعادها بالفعل و نعرف جيداً ماذا نريد منها؟!
هل يكفى حسن النية وحده للإنتقال مِن الوطن المخطوف إلى الوطن المنشود؟!
و تشبثت بهذا السؤال الأخير و إستوقفته! ..
فهو الوحيد الذى أعرف إجابته يقيناً مِن بين كل تلك الأسئلة المائجة ..
لا! .. لا يكفى! ..
صحيح أن الله يحاسب على الأعمال بالنيات، لكن الحسابات الإلهية السخية تختلف قليلاً عن الحسابات البشرية الدنيوية .. و الإنتقال مِن الثورة إلى ثمارها ينتمى إلى الفئة الثانية مِن الحسابات، لنتناولها إذن بشىء مِن الوضوح و التفصيل.
بالطبع حسن النية و خلاصها لوجه الله هما اللبنة الأولى فى مقومات أى عمل ناجح، و توافرهما فضيلة كبرى تستحق الإحتفاء .. لكن الإفراط فى أى أمر يضر به تماماً كالتفريط فيه .. و ربما كانت تلك الجرعة الزائدة مِن حسن النية لدى الثوار الحقيقيين هى السبب الرئيسى فى إنفلات الزمام و نجاح لصوص المناسبات و محترفو التلون فى إمتطاء الثورة و إحكام القبضة على لجامها و توجيهها معصوبة الأعين إلى حيث يشائون.
و من السذاجة أن نلوم هؤلاء على طباعهم الأصيلة ..
و نتناسى أننا مشتركون فى الذنب أيضاً! ..
فقد تفرغنا بسذاجتنا للثرثرة و تركنا لهم عملاً جاداً يؤدونه بتفانٍ و إخلاص ..
تركنا لهم نصب الفخ تلو الأخر للثورة الوليدة ..
لأن أبسط قواعد الثورة هو التغيير للأفضل .. تغيير الحكام و بطانتهم و شكلياتهم .. نعم .. هذا جزء واجب مِن التغيير .. لكنه جزء سطحى رغم أهميته .. الأهم منه هو تغيير الأفكار .. تغيير الثقافة .. تغيير أنفسنا.
و هذا الأهم هو ما لم يتحقق بعد ..
لذا فنحن لم نصل بعد إلى بر الأمان ..
و لن نصل لو إستمرينا على هذا المنوال ..
الواقع لا يعترف سوى بالأفعال .. بالعمل .. بالإجتهاد و الكد و العرق. مِن المرغوب أن تفكر، و تترجم أفكارك لكلام منمق .. لكن هذا لا يكفى ليصنع واقعاً ملموساً تراه عيناك!
دعنى أُذكرك فى خاتمة حديثى هذا بأن إخلاصك فى عملك ليس واجب وطنى، أو نزعة ثورية فحسب .. إنه فريضة لو كنت تعلم دينك جيداً .. فإن الله سيرى عملك و رسوله و المؤمنون .. و إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه.
فإستقم، يرحمك و يرحمنى الله.