يقولون أن المقدمات تشى بالنهايات ..
و يتعجبون ممن مازال يأمل الخير رغم معطيات الواقع المحبطة، و نفوس الناس المريضة، و ضمائرهم الغائبة.
و هم فى ذلك محقون إذا ما إحتكمنا لمعايير العقل و قواعد المنطق، لكن هناك دائماً طرف غاية فى الأهمية يتم إسقاطه سهوا من المعادلة: الإرادة الإلهية.
ليس الأمر دربا من دروب الخيال، و لا نمطا غير علمى فى التفكير، و إنما إيمان عميق بأن حسابات البشر و إن إستندت إلى أدق المؤشرات و الحقائق الميدانية، قد تنهار فى جزء من الثانية إذا إختلفت الشروط و تبدلت الظروف. و تلك هى الأمور المرهونة بإرادة الله سبحانه و تعالى و قدره المحتوم رغم أنوف المُنظِرين.
إن كنت تستند فى يأسك و إحباطك إلى حقيقة مفادها أن الناس قد تعبت و سأمت من حالة إنعدام الوزن و الفوضى المستمرة التى بلينا بها منذ قيام الثورة، فدعنى أذكرك أن زلزال ثورة يناير قد قام لتلك الأسباب ذاتها على وجه التحديد، و أن اليأس من رؤية العدل و صلاح الحال يدفع بالناس بعد حين من الدهر - طال مداه أم قصر - إلى التغيير بالقلب، ثم باللسان، ثم باليد فى نهاية المطاف.
إلا أنه بالرغم من خطورة و صعوبة أوضاع مصر السياسية و الاقتصادية و الإجتماعية فى الوقت الراهن، و وجود تربص واضح من قوى متباينة الإنتماءات و التوجهات بالنظام القائم، تظل لدى هذا النظام و على رأسه الرئيس السيسى فرصة ذهبية فى تحقيق إنتصارات كبرى على المستوى العام مقرونة بأمجاد مستحقة على المستوى الشخصى إذا ما أحسن الرئيس و نظامه إستيعاب معطيات المرحلة و التعامل بحنكة و حكمة مع كافة الملفات.
و إذا سلمنا بأن هناك مَن (يتلكك) للرئيس و نظامه و يتربص به و يتمنى له عثرة فى كل خطوة، فإن ذلك فى الوقت ذاته لا يُعَد (شماعة) لتعليق الأخطاء. إن المتربصين لا ينجحون فى تحقيق أهدافهم ما لم يقدم لهم النظام و الرئيس رأسيهما على طبق مِن ذهب إما بركاكة الخطاب السياسى أو بسوء التصرف المتكرر أو بإستعذاب الأخطاء و التعالى على الإعتذار عنها و إصلاح ما يمكن تداركه مِن آثارها.
إن الإنتصار لقيم العدل و الإنصاف و طهارة اليد هو مفتاح أبواب تلك الإنتصارات المأمولة و الأمجاد المنشودة. فتوافر النية الحسنة متطلب أساسى لا يستقيم بدونه أى عمل. لكن على النظام و الرئيس أن يدركا أن النية الحسنة وحدها لا تكفى ما لم تكلل بسياسات و إجراءات عملية تترجمها و تنقلها من حيز الهوى و الثرثرة إلى حيز التنفيذ. و ليتذكرا إنما سقطت قبلهم نظم، و هلك رؤساء، لأنهم فشلوا فى القيام بتلك الترجمة، فتعاظمت المسافة بينهم و بين الشعب، فحقت الإطاحة بهم.
بلى، الفرصة سانحة رغم كل المثبطات أمام النظام و الرئيس ..
لكنها فرصتهم الأولى و الأخيرة.