لم يحسن الإنجليز تمييز الفرق الجوهرى بين الخال و العم، فأطلقوا على كليهما اللفظ ذاته: uncle.
و رغم إستخدام العرب للفظين مختلفين للإشارة إلى كل منهما، إلا أنهم على ما يبدو أخطاوا إصابة المعنى أيضاً. فيقال لشقيق الأم "خال" مِن "خَالَ عَلَى أَهْلِهِ" أى دَبَّرَ أُمُورَهُمْ وَكَفَاهُمْ. بينما يُطلَق على شقيق الأب "عَم" مِن "عَمَّ القَوْمَ" أى شَمِلَهُمْ بِفَضَائِلِهِ.
و أرى أنه لو صدق اللفظ الأول على صاحبه فى أغلب الحالات، لجافى اللفظ الثانى واقع حامله فى كثير مِن الأحيان.
و أميل إلى تصور الأمر خطأ مطبعى أو زلة قلم أغفلت وضع "النقطة" فى مكانها الصحيح ..
فالأحرى أن يُسمى شقيق الأب فى هذا الزمان بالـ "غَم"!
نسبة إلى " غَمَّ أَهْلَهُ" أى أَحْزَنَهُمْ!
لقد نجح الموروث الشعبى فيما فشلت فى التعبير عنه اللغتان العريقتان، فذكروا فى أمثالنا أن (الخال والد) بينما إلتزموا الصمت التام حيال الـ (الغم). و قد إسترعى ذلك إنتباهى لسنوات. ترى لماذا يكون الخال عادة أفضل و أصدق و أحن و أقرب مِن العم؟!
لا أظن ان تكون إجابة سؤالى يسيرة أو مباشرة. لكن هناك بعض التخمينات التى تستند إلى مشاهدات و تأملات عِده فى قصص الناس. و يلزم التنويه مقدماً إلى أن ما أقوله هنا مجرد رأى يقترب مِن منزلة القانون؛ لكنه دون شك يقبل الإستثناء.
إن الخال بحكم الأعراف و التقاليد أخ ذكر، مسئول عن أخته بصورة او بأخرى، سواء كبرها سناً أو صغر عنها. تلك المسئولية التى يحملها مبكراً فى منزل والده تجعل نظرته لأخته دائماً أنها فى حاجة إليه، حتى بعد أن تتزوج، و أن أولادها مسئوليات إضافية تتفرع منها بمرور الوقت. و ما أعنيه بالمسئوليات هنا لا يعنى الجوانب المادية بقدر ما يعنى المسئوليات النفسية و الإجتماعية.
ربما كانت تلك الصياغة لوجدان الخال هى ما تعصمه إلى حد كبير مِن مشاعر الحقد و الطمع فى شقيقته. فهو الأقوم و الأقوى و الأكثر نصيباً فى ميراث أبيه.
و إذا جاد الزمان عليه بزوجة تتقى الله جيداً، و لا توغر صدره على شقيقته، لإستقام الأمر و سار على ما يرام.
يبقى تفسير عاطفى بعض الشىء ..
الخال مِن فرع الأم، و الأم بطبيعة الحال هى منبع الحنان و الدفء و الأكثر ترميماً لنفوس أبنائها، فلعل حنان الخال و قربه ذو علاقة بالجينات و مكونات الدم!
على الجانب الآخر، عمك هو ند أبيك، أخ ذكر مثله؛ كَبُرَ او صَغُرَ عنه عمراً، ستجد دائماً فى نفسه مِن أبيك شىء! كان أحدهما مدللاً أكثر مِن أخيه؛ كان أحدهما أكثر تفوقاً فى دراسته؛ كان أحدهما أكثر قبولاً فى العائلة مِن الآخر!
المقارنة دائماً و أبداً منعقدة بينهما بلا رحمة ..
و لعل أكثر مراحلها إشتعالاً عندما يكبران و يؤسس كل منهما أسرة ..
و تدخل الزوجات و الأبناء فى الدائرة الجهنمية ..
و يا حبذا لو تزوج أحدهما بشيطانة من شياطين الإنس تزكى البركان المستتر فى صدره و تروى شجرة حقده على أخيه و أسرته .. تحت هذا الشرط، قل على الأخوة السلام!
تنكشف النوايا و تسقط الأقنعة تماماً و يصبح العداء (على المكشوف) إذا آل إليهما ميراث والدهما. فغالباً ستكتشف أن "عمك" المزعوم أحد أفراد قبائل (كاريب) الهندية: آكلو لحوم البشر!
و إن أردت ان تلتقط أبشع صورة لعم، فإبحث عمَن رزق أخيه بالبنات دون البنين، لن تجد لشقيقه صبراً على أن يرث أخيه متى يقضى الله امراً كان مفعولا، بل ستراه يسارع بإلتهامه حياً دون أن يرف له جفن!
فى شرعه ان هذا حقه كفائز ..
فأبو البنات خاسر بما إبتُلىَ به!
Game Over!!
لكن الموضوعية تقتضى ألا تسلم بحتمية ما جاء فى طرحى السابق .. ربما صبغتنى القصص التى عايشتها فى محيطى بسوداوية اكثر مِن اللازم .. قد يكون هناك أخوال أشرار و أعمام طيبين .. ربما تختلف قصتك عن كل تلك القصص التى عصرت مُرها فى هذا التحليل ..
ربما .. !!