هل شاهدت صورة سندس؟ هل رأيت هذا الجمال الهادئ الساكن فى وداعة، وتلك الملامح الراضية، وهذه البراءة المستلقية فى انتظار مواراتها الثرى فى مثواها الأخير؟
لا يمكن أن تنظر لصورة الفتاة ذات الستة عشر ربيعا، الطالبة فى المرحلة الثانوية، دون أن ينكسر قلبك لموتها، مثل من مات غيرها فى مسيرات سياسية برصاص الشرطة.
قد تجد أمامك عشرات الأدلة والشبهات حول دعم جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم للعنف والإرهاب، سكوت على جرائم الإرهاب، شماتة فى ضحاياه، احتفاء بالقنابل والتفجيرات، دعم للمتورطين فى أعمال العنف، خلع الشهادة على الإرهابيين الذين تنفجر فيهم قنابلهم قبل زرعها، وهى أشياء يستطيع أى متابع لمواقع التواصل الاجتماعى أن يرصدها، لكن سندس لم تكن إرهابية، هكذا أستطيع أن أقطع لك، صحيح أنها كانت تهتف فى المسيرة تعِد ما سبقها من ضحايا بالثأر، تصرخ ضد السلطة، ترى فى كل صرخة من حنجرتها انتصارًا للدين الذى أقنعوها أنه يهان ويضيع بضياع السلطة من محمد مرسى، لكنها كما قلت لك ليست إرهابية، أعرف تماما كيف تبنى الجماعة وعى صغارها، لذلك أقول لك إنها كانت مؤمنة تماما بما تفعل وما تقول، ترى الجنة على بعد خطوة من لحظة اختراق الرصاصة جسدها، أخبروها أنها فى الجماعة الربانية التى اختصها الله وكلفها بحماية دينه وإقامة شرعه، لم تسأل مرة، لماذا لم نخرج لحماية الدين وإقامة الشرع فى مظاهرات ومواجهات فى الشارع طوال ٨٠ عاما مضت؟ لماذا ارتبط الدين بالسلطة وحمايته باستعادة السلطة؟
شيماء مثل سندس، وضعت الرصاصة نهاية لحياتها، ومنحتها ذات صورة النهاية التى تدمى القلب، كلتاهما فعلت ما آمنت به، لكن شيماء نالت كل التعاطف، بينما بقيت سندس بكل براءتها وجمالها وشبابها الذى كان بالكاد يتفتح، غائبة عن الذكر والتعاطف والدعوات المتزايدة للمحاسبة والمحاكمة.
أنا أُصدق أن سندس صدَّقت، لست مكترثا هنا بالبحث فى خطأ قناعتها، لكن فى يقينها ذاته، لكن حسبة السياسة التى لم تستوعبها براءة سندس، هى التى جعلت قصة شيماء تتصدَّر بينما قصتها تتوارى.
لا تنظر إلى سندس رغم كل هذه البراءة، إلا وترى التنظيم حاضرًا خلفها، بكل صلفه وغشمه وأخطائه وخطاياه وإجرامه، نزلت سندس لتخدم قناعاتها، بينما كان التنظيم يخدم بها وبغيرها قناعته الأساسية فى السلطة وصراعه الرئيسى على السلطة ومن أجلها، بدت شيماء أكثر أهلية لتكون أيقونة ثورية، لأنها لا تنتمى إلى تنظيم تاجر بالدين والثورة والدولة، فانتهى أن أضاع الدولة وأضاع الثورة، وأهدر كثيرًا مما فى الدين من قيم.
لم تنتمِ شيماء إلى تنظيم تذكَّر الثورة بعد أن ضاعت السلطة، وتذكر تقارير تقصى الحقائق وحقوق الشهداء بعد أن خرج من السلطة، وهدد الناس وزايد عليهم، وتوعدهم بالتفجير والقتل والفوضى، وحقق ما وعد، وهى المرة الأولى التى يعد بشىء ويفى بالوعد.
اجتهد التنظيم فى إحاطة نفسه بمناخ الإرهاب وأجوائه ومفرداته، كما اجتهد فى تقسيم المجتمع منذ لحظة سعيه لنيل السلطة، وخيّم بصورته عند الناس على صورة سندس. قليلون من يستطيعون فصل الفتاة البريئة عن سياق ليس بريئا على الإطلاق، لذلك كانت شيماء هى الأيقونة، امرأة آمنت بالعدالة ومكافحة التمييز، وقفت مع الثورة وضد الظلم، لم يتورط تنظيمها فى إهدار حقوق الشهداء، ولا فى قتل الثورة، ولا فى الترويع والإرهاب، أرادت الإصلاح لا السلطة كشرط وحيد للإصلاح، علمت أن الدين يعلو بالعدل، لا بالكراهية وتقسيم الناس إلى ديار كفر وديار إيمان.
رحم الله سندس وشيماء، وأنزل الاثنتين منازل الشهداء، وتكفل بحقهما، حتى لو كان رجال التنظيم الذى تنتمى إليه سندس يستنكرون وصف شيماء بالشهيدة، ويقولون لمن هم فى عمر سندس، إن الله معهم وحدهم، ولهم وحدهم، وهم شعبه الربانى المختار.