التاريخ : الجمعة 27 فبراير 2015 03:14:09 مساءً
هاتشي... يرحمكم الله، تلك هي المداعبة والمناغشة بين المحبين حسب ما صورتها الأم (الفنانة زوزو شكيب) لابنتها (الفنانة إيمان) حينما كانت تمثل العطس "هاتشي"،مداعبة زوجها (الفنان سراج منير) في فيلم علموني الحب ليرد عليها بدوره "يرحمكم الله"، ليحفر فنانو الزمن الجميل إفيهات يحفظها المصريون عن ظهر قلب وما أكثرها، و"هاتشي" الذي أقصده في مقالي هذا هو اسم كلب عاش في اليابان مع صاحبه أستاذ الجامعة وصارت بينهما علاقة صداقة خاصة، ألهمت اليابانيين نحو إعلاء قيمة الوفاء والإخلاص، فسلطوا عليها الضوء ليتعلم أبنائهم، وهكذا يفعلون دوماً.
في عشرينيات القرن الماضي وفي مدينة طوكيو باليابان، اعتاد الكلب "هاتشي" مرافقة صاحبه أستاذ الجامعة إلى محطة القطار وذلك عند ذهابه للعمل، وحين كان صاحبه يعود من عمله يجد “هاتشي" جالساً منتظراً له عند باب المحطة، وذلك بشكل يومي حتى أصبح انتظار الكلب لصاحبه أمراً معتاداً لدى مرتادي قطار محطة شيبويا وزوارها الدائمين وكذلك العاملين فيها، واستمر الحال على هذا المنوال كثيراً حتى ذلك اليوم الحزين الذي توفى فيه أستاذ الجامعة إثر جلطة دماغية أثناء عمله فلم يعد، بينما الكلب "هاتشي" منتظراً في نفس المكان جالساً كعادته، وظل على ذلك الإنتظار طويلاً حتى وصل إلى عشرة أعوام، وكان وقوفه مؤثراً لكل من يمر بتلك المحطة والعاملين فيها، شفقة وإعجاباً حتى أن البعض كان يقدم له الأكل والماء، وبمرور الأيام تحول "هاتشي" إلى أسطورة يابانية حية تكتب عنها الصحف، ويرويها المدرسون لتلاميذهم في المدارس لحثهم بأن يكونوا أوفياء لوطنهم كوفاء "هاتشي" لصاحبه، وقد قام نحات ياباني بصنع تمثال من البرونز للكلب الوفي، تم وضعه أمام محطة القطار التي كان ينتظر أمامها في احتفال كبير حضره "هاتشي"، إلا أنه وبعد حوالي عام تم العثور على "هاتشي" ميتاً في أحد شوارع مدينة شيبويا، حيث تعاملت الدولة مع جثته بكل العناية والإحترام، وتم تحنيطها ومن ثم عرضها للجمهور في المتحف الوطني للعلوم في أوينو بطوكيو.
بدأ العالم خارج اليابان يعلم عن "هاتشي" بعد انتاج الفيلم الأمريكي (هاتشي .. قصة كلب) عام 2009 الذي قام ببطولته الفنان العالمي ريتشارد جير، وهو نسخة محدثة من الفيلم الياباني (حكاية هاتشيكو) الذي تم انتاجه في العام 1987، ليجسدان قصة محورها وبطلها كلب رفض الإستسلام وبلغ به الإخلاص والوفاء درجة عالية كانت مضرب المثل.
بالأمس القريب أثارت في مصر مذبحة كلب شارع الأهرام بشبرا الخيمة غضب المصريين عقب ظهور مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعى يحتوى على مشهد لعدد من الوحوش الآدمية يعتدون بالأسلحة البيضاء على "كلب" مكمم ومربوط، ليتم ذبحه في مشهد خال من الرحمة والإنسانية، الأمر الذي أدى إلى قيام العاملين في مجال حقوق الحيوان لمطالبة النائب العام بفتح تحقيق عاجل لمحاسبة القائمين على تلك الجريمة. وما جعل المشهد أشد قسوة وأكثر بشاعة ما ورد من أن صاحب الكلب هو من سلمه طواعية لهؤلاء الوحوش فداءاً لنفسه من السجن، يالرغم من دفاع الكلب الفطري عن (صاحبه الغير وفي) حينما كان يتشاجر مع أولائك القتلة.
شتان الفارق بين ما وصل إليه اليابانيون وما وصل إليه المصريون، بالرغم من اشتراكهما في توقيت بداية الحداثة والتطور والتنمية في العصر الحديث، وبالرغم من الدمار الذي حدث لليابان جراء إلقاء الولايات المتحدة الأمريكية القنابل النووية على هيروشيما وناجازاكي، فقد أبهر الإنسان الياباني العالم بمستوى دقته وانضباطه وقدرته الإنتاجية ليصل باليابان كأقوى إقتصاد وإنتاج في العالم، فقد اعتمدوا في سبيل الوصول إلى ذلك على ترسيخ المبادئ الرفيعة والأخلاق الحميدة والقيم النبيلة في أطفالهم فدرسوا الأخلاق وكيفية التعامل مع الناس وشركاء الحياة منذ الصف الأول الإبتدائي، وعودوا أطفالهم على أخذ فرش أسنانهم معهم في المدرسة لينظفوها بعد الأكل، وعلى المشاركة في تنظيف مدارسهم يومياً، بجانب العلم والعمل والفن والجودة والإبداع و..... حتى تقوى علاقاتهم السوية مع بعضهم البعض وعلاقاتهم مع مؤسسات الدولة ومؤسسات القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، ليكون التقدم والإزدهار الذي نراه عندهم جماعياً ولا نراه عندنا حتى فردياَ.
|