رغم كونها إحدى مظاهر الفتن، فضلاً عن أنها ملهاة جديدة من تلك النوعية التى أرفض الخوض فيها عبثاً؛ تجنباً لجدل محتدم لا يجدى؛ و تفضيلاً لأولويات ينبغى أن تستحوذ على الوقت و التفكير، إلا أن نفسى نازعتنى كى أتحدث فى الأمر؛ خاصة و أنه ينطوى على نقاط تماس مع مجال عملى.
بدايةً، لا يوجد فى الدنيا ما يبرر لشخص أن يتنازل عن جنسيته، و يلقى بوطنه و هويته فى أقرب سلة مهملات! فإذا كان هذا (البائع) يؤمن بقضية، و يدافع عن مبدأ – كما يزعم – فإن إثمه مضاعف، و عذره مرفوض رفضاً باتاً.
و إذا راجعنا القانون المصرى جيداً، سنعرف أن الإستقواء بالخارج جريمة يعاقب مرتكبها قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937، و تعديلاته الصادرة بالقانون رقم 95 لسنة 2003. إن المادة (77) ببنودها، و المادة (78) بند أ من هذا القانون يفردون عقوبات تفصيلية متدرجة بناءً على طبيعة الإستقواء بالخارج و عما إذا كان فى زمن السلم أو الحرب. و تصل العقوبات فى هذا الشأن إلى الإعدام.
هذا ما يخص الشخص ذاته ..
الشخص الذى كانت جرائمة التى يعاقب عليها – رحمها الله – تتعلق بالإشتراك فى إدارة غرفة عمليات البؤرة الإرهابية الأعتى فى تاريخ مصر الحديث!
و مع كل ذلك، فمِن عدم الإنصاف لومه وحده على ما إقترف.
هناك مَن كان ذنبهم أعظم و أفدح.
فهناك سياسة تعليمية قد عمدت منذ عقود لتهميش قيم الوطنية و الإنتماء بتحويلها لمصطلحات جوفاء لا تثير فى نفوس النشء سوى السخرية و النكات حين يطالعونها فى مقررات "التربية الوطنية" التى لا تضاف إلى المجموع!
إن "تاريخ" الوطن و "جغرافيته" قد ظلت لسنوات مواد مهملة؛ مقررة على القسم الأدبى فقط، بل و إختيارية أيضاً، بل و لا تُدرَس سوى لعام واحد بالثانوية العامة!
ثم أن هناك الأعلام المُنير المستنير؛ الذى رسخ بخطابه المُهترىء، و إنتاجه السينمائى الغث، لتكوين الإتجاهات السلبية نحو الوطن؛ الذى لا شىء فيه سوى الظلم، و الفساد، و عوامل الطرد. وطن – وفق ما يُفهَم و يُحَس مِن وسائل الإعلام المخصخصة، المُسيسة – لا يستحقُ التضحية مِن أجله، و لا التفكير فيه و لو للحظة واحدة.
و أخيراً كان ذاك القانون الناسف لقانون العقوبات الذى ذكرته آنفاً. قانون يؤصل للتواطؤ و يحث على التخلى عن الجنسية بلا مقابل متى إقتنى المرء جنسية أكثر أناقة! هذا فضلاً عن كون هذا القانون المَعِيب باب خلفى للتملص مِن الجرائم و الكيل بمكيالين. فلو كنت مصرياً فحسب، و سرقت أو قتلت، فلك قانون العقوبات يقتص منك كما ينبغى للقصاص أن يكون؛ أما إن كنت مصرياً و أى شىء آخر، و سرقت أو قتلت، فأبشر: إن لديك فرصة ذهبية للإفلات من كل ذلك بفضل قانون العفو؛ فرصة مرهونة بمدى قدرة و نفوذ موطنك الآخر على فرض سيطرته. و لديك Option أن تخرج لسانك للمصريين جميعاً و أنت تستقل طائرة تقلك إلى هذا الوطن الأقوى!
إن دولة تخط فى الصفحة الأولى مِن جواز سفرها القول المأثور لأبراهام لينكولن:
"إن تلك هى حكومة الشعب؛ قائمة بالشعب؛ و مِن أجل الشعب و لن تُمحى يوماً مِن على وجه الأرض".
ثم تتبعه فى الصفحة ذاتها بصياغة ظاهرها الطلب الرقيق، و باطنها الأمر المباشر:
"تُهيب حكومة الولايات المتحدة الأميريكية بكل مَن يعنيه الأمر أن يسمح للمواطن الأميركى المُدون إسمه بهذه الوثيقة بالمرور دون تأخير أو عقبات، و إذا إستدعى الأمر، ينبغى إعطاءه كافة المساعدات و الحماية القانونية".
أقول أن دولة ذات سيادة فعلية؛ تحترم آدمية مواطنيها، و تعلى شأن الثرى الذى يطئونه إلى هذا الحد؛ لا يمكن أن تُلام بحال مِن الأحوال.
بل على العكس، يجدر بها أن تكون قدوة و مثل أعلى لسائر البلدان.
إنما اللوم على مَن لا يستطيع أن يبلغ مكانتها و يحذو حذوها.
اللوم على أناس لن يغير الله ما بهم حتى يغيرون ما بأنفسهم.
فإما أن نعمل بصدق و جد لنعلى شأن وطننا و نستحق أن نُحترم داخله و خارجه على حد سواء ..
و إما أن نستمر فى مضغ الحسرة و تجرع العسل الأسود دون أن ننبس ببنت شفة!