هذى بلطيم ..
و هذى الكأس و الراح ..
إستعارة مِن "القصيدة الدمشقية" لنزار قبانى بتصرف بسيط؛ أستبدل فيه "دمشقه" بـ "بلطيمى" .. تلك التى يسكرنى نسيم بحرها، و يُذهِب عقلى عبق رمالها.
إسبوع مجيد ظفرت به بعد أربع سنوات عجاف؛ حالت فيهم ظروفى الخاصة دون الطواف تعبداً بشواطئها، و خلع نعال الهموم على أبوابها.
هى ليست الأجمل بلا شك ..
مصيف الفلاحين الذى لم يتخلص بعد من كثير من العشوائية و القمامة و الإهمال.
حتى على المستوى المحلى ..
هى ليست بمرسى مطروح و لا شرم الشيخ.
لكنها جنتى.
أتفهم أسباب السخرية المُطِلة من أعين البعض؛ و أعى إبتسامات الإستهزاء المرتسمة على وجوههم إذ أذكر ذلك.
لهم مقاييسهم، و لى سكينتى.
المسالة مسألة كيمياء أولاً و أخيراً؛ فلا هم مخطئون فى نظرتهم، و لا أنا مبالغة فى تقديرى.
إن الشرح فى مثل تلك الحالات غير مجدى.
سأقول أن للأمر علاقة بعلم الوراثة ..
كان جدى لأمى رَحِمه الله عاشقاً لبلطيم؛ و أظن أن جينات هذا العشق قد إنتقلت إلىَ وفق قانون مِندل!
سأقول أنها أول ما رآت عينى من سواحل .. و أنها بحكم إمتدادها المحدود، و نموها البطىء، معروفة تماماً لى .. أحفظ كل ذرة رمل فيها و تحفظنى .. و لا أشعر فى كنفها بأى غربة.
بلطيم بيتى ..
سأقول أن لها تكوين خاص. بحر و جبل و فنار. و على بعد عدة كيلو مترات منها، بحيرة خلابة هى بحيرة البرلس.
سأقول أنها شاهد سنوى على ذكريات هى الأجمل ربما بين كل ما عشت .. و أن بحرها صديق حميم، لطالما بحت له بما لم أحدث به سوى نفسى .. ساعات طويلة قضيتها فى الشكوى إليه، فلم يضجر يوماً أو يسأم الإنصات.
سأقول أن كل ما فيها فطرى و بسيط و جميل ..
فواكهها هى الأطيب مذاقاً على مستوى الجمهورية؛ فللبرانسة، على سبيل المثال، طريقة فريدة فى زراعة البطيخ على مستوى العالم .. و للجوافة و التين و العنب الأسود و الطماطم ذات البذور الخضراء أطعم بالغة التميز.
سأقول أن أهلها كرام ..
و أولاد بلد .. و فيهم من الشهامة ما يتدفق فى وصفة المِداد.
أنا لا أتوقف عن الكلام إذا تعلق الأمر بوصف بلطيم ..
أحبها بالعِشرة، و الألفة، و العصبية، و الإنتماء.
أحبها بالتحيز و بالموضوعية على حد سواء.
بلطيم – بإختصار – هى مرفأ الأمان الذى ألوذ به لأنسى ما كان مِن صلف الدهر؛ و أستمتع بما هو كائن مِن شهيق و زفير؛ و أمهد النفس لما سيكون مِن مشاق الحياة.
اللهم بارك فى أرضنا الطيبة ..
و أدمها علينا نعمة من نعمك المباركة التى لا تُعَد و لا تُحصَى.