لا يبدو الأمر من قبيل الصدف؛ أن يلقى مصريان حتفهما بالطريقة ذاتها لأسباب مختلفة، و فى سياقات متباينة. و ألا يفصل الحادثين زمنياً سوى بضعة أيام.
أما الحادث الأول، فلشاب مصرى؛ شأنه شأن آلاف الفارين بأحلامهم و طموحاتهم للعمل بالدول العربية. كانت وجهته الكويت. إلتحق بالعمل بائعاً بأحد (المولات) بمجمع الرحاب التجارى. ثم كان أن نشبت مشاجرة بينه و بين زبائن كويتيين إثر الإختلاف على ثمن منتج يشترونه، فتطاولوا عليه، و كيلوا السباب له و لأهله و لبلده. و لأنهم أسياد فى بلدهم، و هو فى نظرهم العبد المصرى الوافد، لم يكتفوا بإهدار كرامته، بل إنتظروه حتى خرج من المجمع و عجنوا الأسفلت بجسده دهساً أسفل سيارتهم على مرآى و مسمع مِن الماره!
و أما الحادث الثاني، فلطالبة بالفرقة الأولى، كلية التربية النوعية، جامعة كفر الشيخ. لقت حتفها دهساً أثناء سيرها مع زميلاتها داخل الحرم الجامعى، إذ (فرمها) سائق أرعن، كان يسير بسرعة كبيرة مستقلاً مقطورة ضخمة لنقل مواد البناء لمنشئات الجامعة. كان ثمة ملفاً فى نهاية أحد ممرات الجامعة، إجتازه السائق طائراً، غير مكترث بحياة حفنة البشر المارين به.
الحادث الأول قتل عمد مع سبق الإصرار و الترصد.
و الحادث الثانى إهمال جسيم، و إستهتار مقيت بأرواح خلق الله.
إلا أن نتيجة الحادثين واحدة؛ و كذلك المغزى و الدرس المُستفاد من كليهما.
لكن كعادته، يحلو للإعلام أن يقتات على مثل هذه الحوادث بعرض الفيديوهات التوثيقية لها مراراً و تكرارا، لا بهدف تحليلها، و إنما بهدف جلد مشاعر المشاهدين. ثم ينخرط فى جدل و سفسطة ينحاز فيها لمَن يروق له من طرفى القضية: أهل الضحية أو المتهمين و المتورطين فيها. نوع رخيص من التجارة بدم الناس و آلامهم.
و رغم أن حوادثاً من هذا النوع يرتكبها جناة مباشرون يستحقون الذبح جزاءاً وفاقاً لإهمالهم و لا مبالاتهم بإزهاق الأرواح، إلا أن الجرم يفوقهم، و يمتد إثمه ليلطخ أيادى آخرين.
ثمة رسائل واضحة للحادثين:
إن المواطن المصرى مُهان؛ مهدور الكرامة، سواء داخل وطنه أو خارجه.
إن المواطن المصرى رخيص الثمن إن عاش فى بلده، أو عاش فى أى بلد أخر.
إن المواطن المصرى (مدهوس) معنوياً، و ما الدهس الفعلى لجسده سوى تتمة للمعنى، و تكملةً لأركان المأساة.
و إنه لمِن المُنصِف أن يتحمل كل مَن جعلوا من تلك المعانى قواعداً راسخة تحكم سلوكيات غير المصريين تجاه المصريين الوافدين إلى بلادهم، و تحكم نظرة المسئولين للمواطنين داخل مصر – أقول من المُنصِف أن يتحملوا جميعاً وزر مَن قُتِلوا، و مَن سَيُقتَلون غداً و بعد غد على نفس المنوال.
قائمة الإتهام طويلة و مكتظة ...
و مِن ثم، لن تفلح المحاكم الدنيوية و القوانين الوضعية للنظر فيها.
يحتاج الأمر لمحكمة إلهية، و قانون ربانى.
فإلى يوم القيامة و عدله المضمون.
و سلام على أرواح لا ندرى بأى ذنب اُزهِقَت ..
و على المصريين الأحياء إسماً السلام!