لا تنجح الثورات بصدق النوايا، و الإستبشار بالغد، و حسن الظن فحسب.
صحيح أن جميعها عوامل أساسية لا غنى عنها فى التحضير للثورات، و قيامها، و إكتسابها صفة الشرعية، لكنها أبداً ليست كافية للنجاح و الحصاد المنشود.
و عصب المشكلة، أن الشعب الذى قام بالثورة قد إستغرق فى نبل المثاليات، و إنساق مجذوباً إلى نداهة (اليوتوبيا) حتى غاب تماماً عن الوعى بمكونات واقعه الذى ثار من أجل تغييره، و تعديله للأفضل.
غفل الثائرون (مجاذيب الحلم الوردى) عن أصحاب المصالح الثقيلة بالداخل. أولئك الذين ترتبط حياتهم و حياة أبنائهم المُرتبة بعناية مُسبقاً بذاك الواقع المُراد نسفه و بناءه (على نظافة). بعضهم لا عيش له إلا فى وسط من القمامة! يتقلص دخلهم، و تضمر إمبراطوريتهم إذا عمت النظافة أرجاء البلاد. يخشون فكرة العدل و تكافؤ الفرص؛ فمعظمهم أنصاف أو أرباع موهوبين، و لولا إعوجاج الموازين، لما شغلوا مناصبهم، و لا تمتعوا بمزاياها.
كيف صدق (ورد الجناين) أن هؤلاء سيسمحون لربيعه الوليد أن يستمر و يُزهِر؟!
كما تناسى الشعب الثائر الأعداء المتربصين به خارج الحدود، و لم ينتبه و هو يصوغ معادلته البريئة لموازين القوى الخارجية، التى لها من الأدوات ما يخفى على العامة، لكنه يؤثر تأثيراً كبيراً فى مجريات أمورهم و شئون بلدهم. لهؤلاء أيضاً مصالح، و (بيزنس) كبير يقتضى الحفاظ على ذات القدر من قمامة التخلف العلمى و الثقافى و الإقتصادى و الإجتماعى و الأخلاقى – و السياسى أيضاً دون شك.
ما كان لهؤلاء أن يقفوا مواقف المتفرجين أبدا،ً و يصفقون لنا و نحن نمسك بفرش الأحلام لنرسم خريطة بلدنا بلون العدل و التقدم و الكرامة.
يأتى هذا التشخيص متأخراً جداً، كما أنه لا قيمة له فى حد ذاته.
و بالنظر ملياً إلى معطيات الوضع الحالى، أعتقد أنه لا سبيل لتغيير هذا البؤس إلا بالثورة على أسبابه الرئيسية:
نحتاج ثورة على أنفسنا و ضمائرنا و أخلاقنا المشوهة.
لأننا نحن مَن قدم لهؤلاء الثورة على طبق من ذهب!
شأن كل مباريات دورى كرة القدم المصرى: يربح الفائز لسوء آداء منافسه!
صدق أحمد زكى فى مشهد المرافعة الشهير بفيلم "ضد الحكومة" حين قال باكياً متأثراً:
- "كلنا فاسدون .. كلنا فاسدون .. لا أستثنى أحداً .. حتى بالصمت العاجز، الموافق، قليل الحيلة".
ليس بالضرورة أن تكون مرتشياً، أو مُستغل نفوذ، أو ناهب مال عام، أو محترف كذب، أو مُضللِ، أو مزور، أو أفاق أو ما إلى ذلك من تلك المِهن البغيضة، الضمنية فى المجتمع!
لك عيوب شخصية وحدك تعلمها، و ربما تتمنى لو تتخلص منها، لكنك لا تملك الإرادة الكافية أو الجدية اللازمة لذلك.
خطأك أنك تريد (يوتوبيا) و أنت ملىء بالعيوب!
قد تبدو عيوبك تلك صغيرة، و بريئة مقارنة بآثام غيرك. لكنها فى النهاية عيوب؛ تُكسبك ذنوب. و الذنوب إذا تراكمت، صارت جبالاً من الخطايا.
و أصحاب الخطايا لا يدخلون جنة الله فى أرض و لا فى سماء.
أقول ذلك لنفيق جميعاً. لقد إنتكست هذه الثورة العظيمة لأننا لا نستحقها. و لا نستحق أن يقف الله بجوارنا فيها لمخالفتنا مبدأه البسيط، شديد الوضوح:
"إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ". (سورة الرعد: الآية 11)
إن بداية الإنتصار على أعداء الثورة فى الداخل و الخارج هو أن ننتصر على أنفسنا، فننتصر لأنفسنا، بتغيير أنفسنا و إصلاحها أولاً.
إذا نجحنا فى ذلك، سنستحق ثمار 25 يناير ..
و سنكون جديرين بأن يقف الله معنا فيما ننشد من صلاح حال هذا البلد و شعبه.
#ثورة_إرساء_الأخلاق