(14)
و لا أدرى حين نقف بين يدى الله مختصمان؛ مَن مِنا سيشكو كَم ظلمه للأخر: أنا أم نفسى؟!
(15)
و فى مرحلة متقدمة من المعاناة، يخف الألم تدريجياً حتى ينعدم - أو بالأحرى - يصبح مألوفاً، مستأنساً. يتعلق الأمر بروحك أنت و مدى بقائها على قيد الحياة.
صدق المتنبى حين نظم:
مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ ... ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ
(16)
ثم تدرك أنك لن تتمكن أبداً أن تعيش الحياة التى تحلم بها و تستحقها، و أن أى تعديل أو ترميم تقوم به لا يجدى نفعاً. إن السبيل الوحيد لتحياها كما ينبغى هو أن تنسفها نسفاً و تعيشها من جديد؛ الأمر الذى يتنافى و نواميس الكون.
عليك أن تمضى حتى النهاية إذن ..
و لا تنسى أنك مدين بإعتذار لـ (هيوم) الذى سخرت ذات يوم من فلسفتة الجبرية!
(17)
حواء .. إحتواء
بس خلاص!
(18)
إلتمسوا العذر لبعضكم البعض فى التقصير فى السؤال؛ لقد أصبح إيقاع الحياة سريعاً، و صارت همومها مستنزفة للقوى إستنزافاً غير مسبوق.
و هذا لا يعنى أن المودة قد جفت، أو أن الإهتمام قد خبت.
(19)
أسوأ ما فى كَبَد الحياة أنه يأتيك على دفعات متتالية؛ يهون الألم كثيراً لو تجرعته كدواء مر دفعة واحدة فحسب.
(20)
تمر الأيام ثقيلة على الصدور. تفقد الأوقات طعمها بلا سبب واضح. الكل يشكو هماً خفياً و إكتئاباً مزمناً.
لم تعد قلة المال أو إعتلال الصحة الأسباب الوحيدة لذلك. ينعم الكثيرون بقدر من الستر المادى و الصحة، و لكنهم بائسون بشدة.
ربما كانت ندرة الرحمة فيما بيننا سبباً. فمَن لا يرحم مَن فى الأرض، لا يرحمه مَن فى السماء.
ربما كان الإنغماس فى العالم الإفتراضى سبباً. فلقد إكتفت الغالبية بالشاشات و الأزرار، و ما عادت تعيش الحياة فى الواقع الفعلى.
ربما كان البكاء على الماضى سبباً. معظمنا عاش أياماً أفضل بكثير مِن حاضره. أيام خوالى .. كان الخير فيها مازال وفيراً .. و المسئوليات مازالت على عواتق الكبار .. و الكبار مازالوا على قيد الحياة؛ يسندون، و يحبون، و يملأون الدنيا أماناً و طمأنينة.
ربما كان القلق من الغد و عليه سبباً. إن الإنشغال بالمستقبل و التفكير فيه ملياً قد يصيب البعض بكثير مِن الإحباط فى ظل متغيرات عامة و خاصة لا تبشر بالخير.
لكل أسبابه، و المحصلة واحدة.
(21)
من دواعى الرضا و السرور التى تدل على حسن طالعك، و تعضد إيمانك و ثقتك بالنصر الأخير، أن يكون لأعدائك نفوس عطنة، متحجرة؛ لا تراجع ما إقترفته، و لا تعتذر عما بدر منها؛ لا تخشى الله، و لا تقدره حق قدره، و تغيبه تماماً عن سائر معادلاتها.
تأخذهم العزة بالإثم، و تغرهم قوتهم، و يلههم الأمل الذى يمنحهم الله إياه عمداً.
إن سقوط هؤلاء - و إن تأخر - يكون عبرة دائماً لمَن يعتبر ..
لا يتهاون الله مع المتجبرين أبداً يا عزيزى.
فلا تحزن إذا طالت (حنجلة) الـ (الأبراص) على جدارك ..
ضربة (شبشب) متقنة بيد السماء ستنهى كل شىء يوماً ما!
كل ما عليك أن تحضر (المقشة) و الـ (جاروف) و تستعد جيداً للـ (الكنس)!
(22)
ما يمكننى أن أؤكده لك بكل ثقة: أن (الحنية ما بتتشريش) .. و أن قلباً لا تردد نبضاته حروف إسمك تلقائياً، لن يهتم صاحبه لأمرك مهما فعلت؛ و لو كان إبناً مِن صلبك؛ تَكِن أنت له الحب كلة!
(23)
نحب البعض لأن مثلهم لايستحق سوى الحب، ولا نملك أمامهم سوى أن نحب، فنتعلم منهم عادات جميلة، ونرمم معهم شروخ كثيرة، ونعيد طلاء الحياة من جديد.
(24)
تعتبر المشاعر جزء أصيل مِن الفطرة، فإما أن تندفع من القلب دون توقف، أو يُخلَق الفؤاد دون الـ (Option) الخاص بها تجاهك من الأساس! إنك فى كل الحالات لا تستطيع لها طلبا. ضع ذلك فى ذهنك كى لا تكلف النفوس ما يفوق وسعها. بمعنى أبسط، لن يحبك أحدهم أو يهتم بك عنوة و إن قدمت له قطعة من فؤادك على طبق مِن الولاء على غيار الريق!
كما أن القلوب تتقلب، و المشاعر تتبدل. فقد يكرهك غداً مَن يحبك اليوم بسبب أو بدون سبب. و العكس صحيح.
نصيحتى لك، ألا تشغل بالك كثيراً لتلك الأمور .. إفتح باب قلبك على مصراعيه .. رحب بالدالفين و ودع المغادرين برضا نفس على الدوام.