كم أغبط الأطفال ..
و أشتاق لدنيتهم الرحبه .. و لروحهم المتحرره من قيود المسئوليه، الناجيه من حسابات المستقبل و الخوف منه و عليه.
فأجمل ما فى حياة الطفل أنه يعيش اللحظه ..
و يستمتع بها إستمتاعاً حتى الثماله ..
أما أنت و أنا، فلا يمكننا إختزال الزمن مثله مهما جاهدنا!
إنها نعمه يخص الله بها أحبابه ..
و هى دلاله على رحمته و عدله و إنصافه ..
فصفاء البالِ هذا تعويض مُسبق أو (مُقدم) لما سيشهده هؤلاء عندما يكبرون و تجلدهم سياط الأقدار!
و معظم الأطفال قنوعين ..
تكفيهم لعبه رخيصة الثمن، أو نزهه قصيره أو قطعة شيكولاته ليغزلون منها بهجة تكفيهم أياماً طوال!
و لكن الموضوعيه تقتضى أن أعترف بأن كل ما سردته عاليه كان دراسة حاله تشخص سمات العصر الذهبى مِن حياتى و ربما مِن حياة أبناء جيلى: أطفال الثمانينات!
و رغم إقتناعى بأن معظم ما سردت عن العصر الذهبى للحياه بمثابة خصائص عابره للأجيال، ترقى لدرجة نواميس الكون، إلا أن ثمة ملاحظات هامه قد دونتها، ربما يكون من شأنها أن تعيد صياغة تلك النواميس فى القرن الحادى و العشرين:
(1) إسترعى إنتباهى أن فضيلة القناعه تتبدد عند بعض الأطفال. فالإمكانيات التكنولوجيه و الترفيهيه المُتاحه لأطفال اليوم رسخت لدى الطفل ثقافة الشره لإقتناء الهواتف المحموله و أجهزة الحاسب، بل و الرغبه فى التحديث المُستمر لها بذات الإيقاع اللاهث الذى يطور به مصنعو تلك الأجهزه إمكانياتها! فأين ذلك مِن جيل كان يرضى بدميه خشبيه، و إذا ما إقتنى Play Station، فإنه لا يريد شيئاً من الدنيا بعد ذلك!
(2) آلمنى زحف هم (لقمة العيش) على براءة الأطفال الغضه. فكم مِن طفل حولته الأقدار القاسيه لعائل أسره! أعرف طالباً فى الصف السادس الإبتدائى وحيد والده، يعمل فى جمع المحاصيل منذ خمس سنوات! و حالياً يعتمد عليه والده المريض إعتماداً تاماً فى رعايته صحياً، فضلاً عن تحمله لمسئوليات المنزل كامله و العمل فى ورشة أبيه!
(3) من أشد المشاهد مأساويه و وجعاً للقلب أن ترى أطفالاً مصابين بأمراض مزمنه كالسكر مثلاً .. يرتادون المستشفيات و عيادات الأطباء بدلاً من المتزنهات و مدن الملاهى .. يتعاطون العقاقير بدلاً من الشيكولاته و البونبون .. تبكى عيونهم تألماً، فتحفر الدموع المنهمره على وجوههم ملامح الهم و العجز، و تصاب أنت المُشاهد لذلك بإكتئاب حاد لا دواء له!
أنظر لأولئك الأطفال الراشدين قبل الأوان بأسى بالغ و إشفاق تام و أتساءل فى ألم:
إن كان هذا هو حالكم فى أصفى أيام عمركم، فما عساه أن يكون شكل ما سيأتى عليكم من أيام؟!