فى ظل ما تعيشه مصر مِن عبث و تخبط على كافة الأصعدة، تأتى تلك المحاولة الجادة البالغة الإلتحام بنبض المصريين لتفتح رتاج باب الأمل الموصَد بعنف فى وجه مستقبل هذا البلد: مؤتمر إنقاذ الإقتصاد المصرى – نحو برنامج بديل. و المُتابع للمؤتمر يدرك أنه ليس مجرد تنظير فارغ أو ضجة مفتعلة للفت الأنظار و تحقيق مكاسب سياسية .. إطلاقاً .. بل على العكس تماماً، إنه جهد صادق لخدمة هذا الوطن و أبناءه قام به علماء و باحثون متميزون وطنيون يرغبون فى خدمة بلدهم و إعلاء شأنه. فضلاً عن ذلك، يتميز هذا المؤتمر بترجمته لحلول المشكلات الإقتصادية فى صورة خطوات إجرائية محدده شديدة الوضوح و التنظيم لا مجرد أطر نظرية مجردة يتوه فيها العقل و يحتار فى كيفية تنفيذها على أرض الواقع.
و نظراً لأن هذا المؤتمر لم ينل حقه الطبيعى مِن الإهتمام و تسليط الأضواء الإعلامية بما يتناسب و حجمه و أهمية رسالته، فقد خلص ضميرى الشخصى إلى ضرورة المساهمة بقلمى المتواضع فى توصيل محتواه – الذى تكرم الأستاذ الفاضل حسام مؤنس مشكوراً بإرساله لى كاملاً فور طلبه بالبريد الإلكترونى – للقارىء المصرى المَعنِى بهذا الشأن بالدرجة الأولى.
و يُعد هذا المقال هو الأول فى سلسلة مقالات تحمل الإسم ذاته و تستعرض ما جاء بالمؤتمر مِن رؤى قيمة و مبتكرة و متميزة لحل مشكلات مصر و مداواة وجعها الإقتصادى.
و لكى أكون على نفس القدر مِن التنظيم و ترتيب الأفكار، فينبغى علىَ أن أعطيك أيها القارىء فكرة عامة أولاً عن المحاور الرئيسية للمؤتمر قبل أن أشرع فى قراءة الدراسات المُقدمة فى كل محور على حِده و مناقشة التوصيات التى خَلُصَ إليها المؤتمر بشأنه.
للمؤتمر محاور ثمانية هى السياسات الإقتصادية العامة و العدالة الإجتماعية بمفهومها الإقتصادى و السياسة النقدية المُتعلقة بالإقتصاد المصرى و الصناعة و الزراعة و السياحة و الثروة المعدنية و المحورية و الطاقة و أخيراً بدائل الإقتراض من صندوق النقد الدولى.
و أرى أنه يلزم التنويه هنا عن ملحوظة هامة قبل أن أبدأ فى تحليل ما تم تقديمه فى كل محور: أن التصنيف الذى قمت به للدراسات المطروحه هو محض إجتهاد شخصى منى هدفه تسهيل العرض و توصيل الرساله على نحو بدا لى أكثر منطقية، مع ملاحظة أن كل دراسة قد تخدم نتائجها أكثر مِن محور واحد، و إنما الهدف – كما ذكرت و أؤكد – هو تنظيم الطرح فحسب.
حسناً .. لنبدأ بالمحور الأول: السياسات الإقتصادية العامة.
هناك ست دراسات تعرضت لإصلاح السياسات الإقتصادية العامة بمصر، إستهلها الدكتور جودة عبد الخالق برؤية جديدة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية لمصر الثورة. و إستخدم تعبيراً جميلاً بدأ به عنوان ورقة العمل التى قدمها: " إنطلاق الفراشة من الشرنقة". و يرى د/ جودة أن الإطار العام للسياسات الإقتصادية و الإجتماعية لمصر ما بعد 25 يناير ينبغى أن يرتكز ببساطة على مبدأين: الكفاءة و العدالة. و يقصد بالكفاءة هنا حسن إدارة الموارد المادية و البشرية المتاحة، أما العدالة فالمقصود بها العدالة الإجتماعية فى توزيع الناتج الإقتصادى. كما تحدث عن ملامح الإقتصاد الذى نسعى لتحقيقه و تناول ثلاثة جوانب للسياسات الإقتصادية العامة المأمول تطبيقها.
و فى إطار محور السياسات ذاته، قدمت الدكتورة نادية رمسيس فرج دراسة عن النمو الإقتصادي و زيادة التشغيل في مصر. و الدراسة زاخرة بإحصائيات دقيقة مؤلمة توضح ما آل إليه وضعنا الإقتصادى بعد الثورة. كما تعرضت لسياسات مبارك الإقتصادية التى أدت إلى نوع زائف مِن النمو الإقتصادى يطلق عليه النمو الخالى مِن التشغيل أو Jobless Growth. و بعد هذا العرض الوافى لواقعنا الإقتصادى، قدمت د/ نادية نموذج البرازيل كدولة رائدة إقتصادياً كانت تعانى ظروفاً إقتصادية أكثر تدهوراً مِن مصر الآن و تمكنت مِن العبور إلى منطقة الآمان الإقتصادى بل و تحقيق طفرة إقتصادية هائلة فى زمن قياسى قفزت بها إلى مصاف الدول مرفوعة الهامة الإقتصادية. و أعجبت جداً بتلك "الروشتة" التى قدمتها د/ نادية فى نهاية دراستها و التى تتضمن خطوات مدروسة و محددة لما على الدولة المصرية القيام به لإستعادة عافيتها الإقتصادية على المدى القصير و البعيد.
و للحديث عن باقى الدراسات بمحور السياسات الإقتصادية العامة بقية إن شاء الله ... (يتبع)