التاريخ : السبت 04 مايو 2013 06:15:40 مساءً
على الرغم من صغر حجم الإنسان وقدره حواسه المحدودة، إلا أنه عملاق بخياله وقدرته على التفكير والإبداع، فبالرغم من قدرة يديه المحدودتين على كسر قطعة من الطوب أو الزلط إلا أنه بالعلم استطاع تكسير الجبال وفى بعض الأحيان التى غاب عنها القيم والأخلاق والضمير، استطاع بالعلم تدمير مدن بأكملها، وبالرغم من محدودية رؤية عينيه المجردة إلا أنه بالعلم أرسل سفن الفضاء تعبر ملايين الأميال ووضع المراصد الفضائية ليتمكن من رؤية مالا يمكن رؤيته وهو على سطح الأرض، وبالرغم من ضعف صوته إلا أنه بالعلم استطاع توصيله لآخر الدنيا، فالعلم قوة يستطيع الإنسان من خلالها الوصول إلى آفاق بعيدة يملؤها الحب والسلام والتقدم والإزدهار والتنمية المستديمة بشرط مرافقة القيم الرفيعة والمثل العليا والأخلاق النبيلة والضمير الحي.
إن مصر من الأعضاء المؤسسين لمؤسسة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" منذ ما يقرب من 67 عاماً، إلا أن الطالب المصرى فى أيامنا تلك محروم من حقه فى تعليم حديث يلبى احتياجاته واحتياجات المجتمع من حوله، محروم من الأنشطة الفنية والأدبية والترويحية والرياضية، محروم من الرعاية الغذائية والصحية والنفسية، ومحروم من مدرسة جميلة ونظيفة تتوفر فيها مساحات خضراء وملاعب رياضية ومكتبات ومعامل، حتى وقع فريسة للعادات السيئة والإدمان، ووقع أيضاً فريسة للمستغلين مادياً كما يحدث فى بيع المذكرات والدروس الخصوصية، ذلك الوحش الكاسر الذى يلتهم المليارات سنوياً، ويتكبدها أولياء الأمور سعياً وراء تحسين فرص أبنائهم فى تحصيل العلم وتحقيق النجاح.
طلاب الجامعات المصرية ينتهى بهم الأمر بعد تخرجهم قليلى العلم والثقافة، فاقدى القدرة على التفكير والإبداع، ضعفاء المران والخبرة، فاسدى السلوكيات، غير قادرين على الإستجابة لمتطلبات سوق العمل شديد التنافسية، حيث ينبغى عليهم الحصول على الدورات التدريبية المؤهلة للعمل وشهادات الخبرة التى تفيد ممارستهم العملية حتى يتم تشغيلهم، أليس هذا مؤشراً صارخاً على فشل نظام التعليم؟
إن زيادة سنة دراسية أو نقصانها أو إلغاء الشهادة الإبتدائية وجعل الصف السادس سنة نقل عادية، أو تغيير نظام الثانوية العامة، أو زيادة المناهج أو تقليلها، ليس المشكلة الحقيقية فى نظام التعليم الحالي، بل الحث على الحفظ والتلقين والتقليد والإتباع، وقتل ملكة الخيال والتفكير والقراءة والتأمل والتساؤل والتجريب والإبداع، والإفتقاد إلى الأدوات المساعدة مثل المعامل المجهزة والمكتبات، وعدم توافر الأنشطة الفنية والأدبية والثقافية والرياضية بما تستلزم من وجود مسارح وملاعب وصالات، وغياب القيم والمثل العليا والأخلاق والضمير والقدوة، وانفصال البيت عن المدرسة.
يمثل التعليم بجانب البحث العلمى والصحة المحاور الأساسية للتنمية المستديمة التى تحتاجها بلدنا الآن، فأين التعليم المصرى الذى يشعر فيه الطالب بالسعادة عند ذهابه للمدرسة كل يوم؟ حيث المكان الذى يلبى احتياجاته العلمية والعقلية والثقافية والنفسية والإجتماعية والرياضية والفنية والترفيهية والصحية، ويشجع على الخيال والإبداع، ويحترم قيمة العمل الجماعي، حيث أن أصحاب الخيال والفكر والإبداع هم من يصيغون أحلام المستقبل، وتصورات الغد.
لن نتوقف عن الحلم بمستقبل تعليمى أفضل لأولادنا، فقد أصبح من الضرورى الآن أن نتحرك بخطوات أسرع نحو اصلاح التعليم وتطويره، حيث يعد الطالب محوراً أساسياً للعملية التعليمية، الواجب على عناصرها المختلفة من آباء ومدرسين ومناهج ومعامل وحدائق ومسارح وملاعب ومكتبات وأنشطة فنية وأدبية ورياضية وثقافية وغيرها، أن تتكامل وتتناغم من أجله، فى توفير البيئة الجيدة والملائمة ليبدأ الطالب فى اكتشاف ذاته وتنميتها، وتعليمه طرق التفكير السليم وحثه على الخيال والإبداع فى مواجهة مشكلاته الحياتية.
إن الأمر يحتاج إلى استراتيجية وطنية تستهدف التعليم الأساسى والتعليم الجامعي، من أجل غد مشرق وحياة مليئة بالتميز والإبتكار والإبداع، فالبداية السليمة تتمثل فى وضع رؤية واضحة ومعلنة للنظام التعليمى فى مصر مستمدة من رؤية واضحة ومعلنة للبلد ككل، لا تتغير مع الوزراء كما يحدث دوماً، ثم نبدأ فى تحديد الأهداف المطلوب الوصول إليها، وما يتبعها من خطط وبرامج زمنية محددة، معتمدة على معايير للقياس من أجل التقويم والتعديل والتطوير المستمر، مع ضرورة مراعاة تناسب التعليم مع البيئة المحيطة واحتياجاتها وما تمتلكه من ثروات وما تحتاج إليه من قيمة مضافة، فمناطق القاهرة والجيزة وأسوان والأقصر يجب التركيز فيها على الجانب السياحى لما تحتويه من آثار، ومدن القناة يتم التركيز فيها على إدارة الموانئ وخدماتها، ودمياط يتم التركيز فيها على التعليم الفنى وبخاصة صناعة الأثاث، وهكذا باقى المناطق.
|